محمد الطراد، مؤسس مجموعة (الطراد العالمية)
من مهاجر سوري بفرنسا إلى أحد أثرياء العالم
أحدث المنضمين إلى نادي المليونيرات بامتلاكه واحدة من أضخم شركات العالم في مجال السقالات؛
رحلة كفاح بدأها في صحراء سوريا ويواصل نجاحها في فرنسا.
لا يعلم محمد الطراد عمره الحقيقي، فلا توجد أي وثيقة تحدد اليوم الذي ولد فيه في سوريا.ولتسهيل أمر الاحتفال بيوم ميلاده، اختار أبناؤه مؤخراً تاريخ 9 مارس/ آذار ليكون يوم مولده.أما بالنسبة لسنة ميلاده، فقد توجب عليه اختياره عندما ذهب إلى مونبيلييه في فرنسا قبل 46 عاماً ليبدأ حياة جديدة؛ وكان العام 1948 هو الأنسب.
ولم يكن الطراد يتحدث اللغة الفرنسية في ذلك الوقت، وكان يتناول وجبة واحدة في اليوم، كما أنه لم يكن يعرف أحداً هناك.
واليوم، أصبح اسمه معروفاً في مونبيلييه؛ فهو مكتوب على جدران ملعب الرجبي في المدينة، الذي تغير اسمه مؤخراً ليحمل اسم الطراد وشركته.
ويقول الطراد، وهو ينظر إلى مقاعد الملعب الذي يستضيف غالباً 15 ألف متفرج: "إنه لأمر غريب، في العادة، تطلق أسماء الناس على الأشياء بعد وفاتهم".
في عام 2011، تواصل حاكم مونبيلييه مع أغنى سكانها، وطلب منه أن ينقذ فريق الرجبي (هيرولت للرجبي- Hérault Rugby) الذي تأسس قبل 29 سنة، من محنته المالية. وبالفعل، تدخل الطراد، الذي لم يحضر لهم أي مباراة من قبل، واشترى الفريق، وبات يذهب لمشاهدة جميع المبارايات. وكان قد مُنح (وسام جوقة الشرف) والذي يعادل رتبة فارس، في 2005
تغلب محمد على بداياته المتواضعة ليؤسس مجموعة (الطراد العالمية) التي تعد واحدة من أضخم شركات العالم في مجال السقالات، وتبلغ عائداتها أكثر من مليار دولار.
ولا يعتمد هذا المجال على التكنولوجيا كثيراً ويعود تاريخه إلى المصريين القدماء، إلا أن الطراد يحصل منه على صافي هامش أرباح، تقدره (فوربس) بنحو %6 تقريباً، من خلال توفير كل شيء ؛ ابتداءً من خلاطات الإسمنت وحتى العربات اليدوية، كما أنه توسع بشكل كبير من خلال عمليات الاستحواذ. وبعد ربع قرن من الإيرادات الثابتة ونمو الأرباح ، تضاعفت مبيعاته خلال الـ5 سنوات الماضية لتصل قيمة حصته نحو %80 من الشركة، وهو ما يقدر بمليار دولار؛ وهذا جعله عضواً جديداً في قائمة (فوربس) لأغنى أثرياء العالم.

وتنشط مجموعة (الطراد) ، في مجالات السقالات والإنشاءات والمواقع الصناعية، في أكثر من 100 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن الغالبية العظمى من عملائه يقيمون في أوروبا والسواد الأعظم منهم في فرنسا.
لم يذهب الطراد إلى سوريا منذ 1972، عندما زار والده ويستذكر قائلاً: "سرعان ما أدركت أنني لا استطيع العودة. إلى أين سأعود؟ لذا حجزت تذكرة ذهاب فقط". ويضيف: "عندما يتحدثون عني في المقالات يقولون فرنسي من أصل سوري، لماذا يجب أن يقولوا ذلك؟" ونادراً ما يتحدث الطراد عن ماضيه، ويسهل معرفة السبب. فعندما كان في الـرابعة من عمره، توفيت أمه، وهي في سن المراهقة بسبب المرض، وتخلى عنه والده. لذلك فقد ربته جدته في خيمة متنقلة، باعتبار أنهما من البدو الرحل يتنقلون بحثاً عن الواحات التي تخلفها الأمطار لسقاية المواشي والجمال. وقد رفضت جدته إدخاله المدرسة بحجة أن الراعي ليس في حاجة إلى الكتب، إلا أنه التحق في المدرسة، وكان يتسلل صباحاً قبل أن تستيقظ ليمشي حافياً لمدة ساعة عبر الكثبان الرملية. لقد كان التعليم يستحق تحمل غضب الجدة.
عندما بلغ محمد الـ7 من عمره، ظهر والده في حياته مرة أخرى ليشتري له دراجة هوائية، وهي ثروة نادرة في الصحراء، كما أنها كانت مشروعه الريادي الأول؛ حيث كان يؤجرها للصبية ويستخدم المال لينفقه على مستلزمات المدرسة. وبعد سنوات عدة، انتقل ليعيش مع قريب له بالقرب من مدينة الرقة، وهناك حصل محمد على شهادة البكالوريا، وكان الأول على المنطقة ليتم منحه بعد ذلك منحة من الحكومة السورية للدراسة في فرنسا. ويقول: "لم يكن لدي حلم معين في ذلك الوقت، طموحي الوحيد كان ألا استسلم لفقري".
وصل الطراد إلى مونبيلييه في 1969، المدينة القريبة من البحر الأبيض المتوسط، وتقع بين الحدود مع إسبانيا وإيطاليا. استغرق عدة أشهر وهو يتعلم اللغة الفرنسية، ولكن عندما بدأت دراسته مادتي الفيزياء والرياضيات في جامعة مونبلييه لم يستطع فهم الكثير من حديث المدرسين. ومع مرور الوقت انتقل إلى باريس في بداية السبيعينيات من القرن الماضي ليحصل على شهادة الدكتوراه في علوم الحاسوب، كما أنه أصبح بارعاً في اللغة لدرجة مكنته من الزواج من امرأة فرنسية التقاها في الجامعة.
وأثناء دراسته، عمل الطراد مهندساً في شركات تكنولوجية، الأمر الذي ساعده في الحصول على الجنسية الفرنسية. وبعد ذلك، أمضى الطراد 4 سنوات في أبوظبي يعمل لدى شركة (بترول أبوظبي الوطنية). وتمكن من ادخار مئات الآلاف من الدولارات، بفضل الضرائب المنخفضة، وعدم وجود ما ينفق المال عليه، إلى أن انتهى عقده في 1984. وعندما عاد إلى باريس، أسس هو و3 من أصدقائه شركة ناشئة، سرعان ما باعوها، متخصصة في صناعة الحواسيب المحمولة. وقد حصل الطراد على ما يقارب 600 ألف دولار، ولم تكن لديه أدنى فكرة ماذا يفعل بهذا المبلغ.
وفي أغسطس 1985، بينما كان يقضي إجازة في فلورنساك ؛ القرية التي تنحدر منها زوجته في جنوبي فرنسا، سأله أحد الجيران إن كان مهتماً بالاستحواذ على مصنع خسران للسقالات. فقد كانت شركة (ميفران- Méfran)، التي كانت تضم 200 موظف، تعاني عجزاً بقيمة مئات الآلاف من الدولارات سنوياً، وكانت القروض المصرفية تتراكم عليها. وبالرغم من أنه ليس خبيراً بهذا القطاع، قرر شراء الشركة بالاشتراك مع ريتشارد آلكوك، صديقه البريطاني في أبوظبي، والذي كان شريكاً له في شركته الناشئة. دفع الاثنان فرنكاً فرنسياً واحداً ثمن الشركة وتحملا ديونها، فيما امتلك الطراد %90 منها.
ويقول الطراد: "لقد رأيت أن المنتج مفيد جداً، بما أن هناك حاجة إلى السقالات في كافة القطاعات: الإنشاءات ومصافي البترول والمطارات". وبمجرد امتلاكه الشركة، خفض التكاليف، واتبع أسلوب دفع مبنياً على المحفزات، وهي طرق وافق عليها موظفو الشركة الفرنسيون لإحساسهم بأن رئيسهم يخاطر بأمواله. ويقول: "أخبرت الموظفين أنني سأستثمر جميع مدخراتي التي حصلت عليها خلال 5 سنوات. وبالتالي علموا أنني أؤمن بهم". وخلال عام واحد، بدأت الشركة بتحقيق أرباح صغيرة، وتأسيس شركات تابعة في إسبانيا وإيطاليا. ويستذكر آلكوك قائلاً: "لم يتحدث أبداً عن طموحاته، فقد كان الهدف أن ينمو ويكبر".
ولكن سرعان ما واجه هذا الهدف عقبات في طريقه، وقرر الطراد التنويع في مجاله من خلال شراء شركة فرنسية تصنع القفازات الطبية. ويقول: "أدركت سريعاً أن هذه كانت غلطة. فمن نقاط القوة لدينا أن نركز على مجال عملنا الرئيسي". باع الطراد الشركة وأسس فروعاً لأدوات الإنشاء وخلاطات الخراسانة وغيرها من المنتجات التي تجذب نفس عملاء السقالات. ومن ثم، وخلال فترة الكساد في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، خسرت الشركة ربع إيراداتها خلال 6 أشهر. ويقول الطراد إن ما أنقذها هو أنه توقع الركود قبل نصف عام من حدوثه فخفض %30 من القوى العاملة.
وبعد تعافيه من الأزمة، وجد الطراد أن البنوك لن تمنح قروضاً لريادي أعمال من أصل سوري لا يتمتع بخبرة في القطاع، بغض النظر عن قوة ميزانية شركته. لذا، كان على الطراد أن ينمي عمله كما فعل في المرة الأولى، وذلك بشراء شركات منافسة صغيرة تعاني مشاكل مالية، ويحقق أرباحاً ضئيلة وببطئ. ويقول: "لقد عانيت كثيراً في تلك الفترة، وأضعت الكثير من الوقت لأنهم لم يثقوا بي".
وشهد الطراد نقطة تحول في حياته عام 2003، فقد أصبحت شركته بحلول ذلك الوقت تتمتع بقاعدة صلبة، وتملك 21 شركة تابعة تحقق أرباحاً بقيمة 130 مليون دولار. وقد كانت عملية الاستحواذ الأكبر للشركة هي شراء الشركة الألمانية المنافسة (بليتاك- Plettac). فقد تمكنت مجموعة الطراد بذلك من الانتشار أوروبياً، والمنافسة على الصفقات الصناعية، كما أنها انتقلت إلى تقديم عروض ذات هوامش ربح أعلى كخدمات التأجير والتركيب. وبعد ذلك أصبح للمجموعة وجود راسخ في أوروبا، حيث أجرى الطراد عمليات استحواذ بمعدل 3 في العام. ويدعي أن كل منها انتهى بتحقيق الأرباح.
يقع مقر مجموعة الطراد في أحد أحياء مدينة مونبلييه، فقد قرر الرئيس التنفيذي نقل مقر شركته إلى المدينة الأولى التي شعر أنها موطنه، ليؤسس أحد أكبر شركات البلاد خارج العاصمة باريس. ولا تبعد مكاتبه كثيراً عن قصره، الذي بني قبل قرن من الزمن، ويحوي 3 مسابح، وسيارتي (فيراري) و(لامبرغيني). وتقع مكاتب الموظفين في غرف الخدم سابقاً، أما مكتب الطراد فقد كان يستخدم كاسطبل.
وقد يصعب على المرء التصديق بأن المقر الرئيسي لشركة تملك مليون عميل، و7 آلاف موظف يوجد في هذا المكان الريفي. ويعمل في المقر 25 شخصاً فقط، ولا يملك الطراد مساعداً شخصياً، حيث يقول إن نجاح الشركة يتعلق بالهيكلية غير المركزية: فهي عبارة عن شركة قابضة انسيابية وشركات تابعة تتمتع بحكم شبه ذاتي. وعندما يشتري شركة ما، يفرض الطراد أقل عدد ممكن من القوانين، ولا يجري أي تغيير على غالبية الموظفين والثقافة المؤسسية. ويقول: "أعشق الحرية، وأريد أن يكون العاملون لدي أحرار. فنحن نتفق على أمر ما ولهم الحرية بأن ينفذوه على طريقتهم، ولكن بالتنسيق مع الآخرين". ويظهر امتعاض الطراد من التسلسل الإداري الهرمي في ميثاق الشركة، الذي يتكون من 605 صفحات (باللغتين الإنجليزية والفرنسية)، والذي يبدو وكأنه بيان. إلا أن له تأثير كبير؛ فالشركات التابعة، التي يبلغ عددها 92 عالمياً، تعمل وكأنها شركات ريادية نشيطة، ولكل منها تأثيرها على السوق المحلي، لكنها في الوقت ذاته تتعامل بكفاءة مع المال والمنتجات والتكاليف تماماً كالشركات المتعددة الجنسيات.
وقد دعم هذه الطريقة استثمار بقيمة 100 مليون دولار، قبل 4 أعوام، بقيادة صندوق تمويل مملوك للحكومة الفرنسية. ومنذ 2011، أجرت مجموعة الطراد 22 عملية استحواذ، من بينها شركات في قطر والمغرب، مع نيتها السيطرة على هذا المجال في أنحاء العالم قدر الإمكان. وقد تكون الولايات المتحدة وجهة الطراد التالية، فهو يملك مكتباً صغيراً للمبيعات هناك، ويقول: إنه يفاوض على عملية استحواذ كبيرة في هذا السوق الذي يتمتع بمنافسين شرسين، وانتشار السقالات الصينية الأقل تكلفة. ويقول الطراد: "لا نتوقع طرح الأسهم للاكتتاب، فهذا الأمر قد يتعدى على حرية المؤسسة. ويقول شريكه آلكوك (الذي باع حصته في 2008): "لا أعتقد أنه سيتخلى عن أسهمه".
وكمدير للشركة، يلتزم الطراد بالشفافية حرفياً؛ فاثنين من الجدران في مكتبه مصنوعة من الزجاج ليتمكن الموظفون من رؤيته أثناء العمل. ويتمتع مكتبه بفخامة ورقي، كما أنه مليء بصور أبنائه الـ5 ورفيقة دربه لمدة 13 عاماً، وهي محامية فرنسية بريطانية "انفصلا في العام 1995".
والدليل الوحيد عن ماضيه هو غلاف كتاب يعلقه على الجدار؛ الرواية التي كتبها بعنوان (البدوي)، ونشرت في 1994 وتم تنقيحها في 2002. ويقول: "جزء كبير منها حقيقي". وتتعلق الرواية بشكل كبير بالاحتفاء بالفقير الذي يصبح غنياً أكثر من كونها قصة عن الألم الذي يشعر به الإنسان وهو عالق بين عالمين مختلفين. ويعمد الطراد عادة إلى الكتابة قبل الفجر عندما لا يتمكن من النوم، ويقول: "تكون الحياة صعبة أحياناً. فبعض الناس يمارسون الرياضة، ولكن أنا أحتاج إلى الكتابة". تلقت روايته استحسان النقاد، وفازت بجائزة أدبية عام 2003. وفي عام 2012، أوصت (أكاديمية مونبلييه) بإضافة الرواية إلى مناهج المدارس الإقليمية. وتقول فرانسواز نيسن، مديرة (أكت ساد- Actes Sud)؛ مؤسسة النشر خاصته التي تقع في (آرل): "إنها قطعة أدبية حقيقية، فهو إنسان ذكي كفاية ليدرك أن الحياة تتعلق بشيء أعمق من جني المال، كما أنه بسيط ليعرف أن النجاح الأدبي لا يمكن شراؤه بالمال".
وألف الطراد روايتين في وقت لاحق؛ واحدة تتحدث عن وجود الله، والثانية عن الحب. وتنتهي الرواية الثانية بقصة عن اليهود والفلسطينيين؛ وأهمية أن يسود الحب والسلام العالم؛ بالتالي فهي تحمل عاطفة إضافية لفرنسا، نظراً إلى تعدد أبناء الجاليات العربية. والطراد، الذي نادراً ما يتحدث عن السياسة يؤمن بأهمية النقاش، وتبادل وجهات النظر كمدخل لأن يسود السلام بين الناس. ويقول: "إذا كنت تعتقد أن هناك تنافراً؛ فهي كارثة حقيقية، فهي تعني أن البشر لا يستطيعون العيش معاً، وبالتالي ستنشب الحرب، وهذا ليس أمراً إنسانياً على الإطلاق. إذا أردت العيش في سلام، ابدأ بالنقاش".

ويقول فرانسوا ليوتار، وزير الثقافة والدفاع السابق في فرنسا، والذي يعد الطراد صديقاً له: "حين يعرف المرء الوحدة والمعاناة والجوع والمهانة، هناك احتمال أن يحرز تطوراً استثنائياً. إذا استمرت مجموعة الطراد بالنمو، وأرى أنها ستستمر، يكون ذلك بفضل رجل الصحراء الذي لا يعترف بالحدود ودائماً ينظر إلى ما هو أبعد من الأفق".
من مجلة فوربس